كابوس جوجل
بقلم : أليسون شونتيل – مدير تحرير- موقع business insider
عند الدخول في عامي النهائي بالجامعة، أعلنت شركة ” جوجل ” عن تنفيذ ملتقي توظيفي لحديثي التخرج في الحرم الجامعي لجامعة ” سيراكوز “، لقد شاركت حينها في الجلسة الإعلامية وتمكنت من تحديد الوظائف التي تلائمني، سارعت بكتابة الخطاب المرفق والسيرة الذاتية بطريقةٍ أراها جيدة، وعقدت العزم على إرسال أوراقي إليهم عبر البريد الإلكتروني
بعد أسبوعٍ من الإرسال، تلقيت بريداً الكترونياً مفاده أن شركة ” جوجل ” تعتزم منحي فرصة المشاركة في مقابلة شخصية، في ذلك الوقت حصلت على عرضٍ جاد من مجلة ” فوربس “التي أعمل بها، من أجل تولي منصب مساعد مدير تسويق المنتجات في مدينة ” ماونتن ” فيولاية كاليفورنيا، لكنني كنت أطمح الى عمل أهم بصحبة شركة عملاقة بحجم ” جوجل “
أذكر أنني هاتفت جميع من أعرفهم، لقد غمرتني السعادة آنذاك، وشعرت بمتعة كبيرة عند التجول أثناء استراحة الغداء، لقد اقترب حلمي من التحول إلى حقيقة، وأن بحثي عن وظيفة سينتهي سريعاً دون معاناة تذكر، أخيراً سألتحق بمجموعة ” جوجل ” الشهيرة
يعتقد البعض مخطئين أن المعدل الدراسي لا يشكل أهميةً عند العثور على وظيفة، في الحقيقة يبدو أن هؤلاء لم يسبق لهم التقدم للعمل في شركة ” جوجل “، هناك شعرت أن تقديري التراكمي البالغ (٦.٣) يبدو ضعيفاً للغاية، عند ملئ استمارة التقديم اتضح لي أن ” جوجل ” تهتم أيضاً بمدى حصولي على عروض عمل سابقة أم لا، كما أنها تعنى بمعرفة الشركة التي عملت بها سابقاً، وكم وقتاً قضيت في عملية البحث عن وظائف، في ذلك الوقت لم أكن قد حصلت على عروض سابقة، فقمت بوضع علامة ” لا ” على مربع الاختيارات الخاص بهذا السؤال، مع الإجابة بنعم على خيار أنني ما زلت دون عمل، كان يتعين علي إدراك أن هذه الأسئلة تمثل تمهيداً لمقابلة شخصية صعبة، رغم كل شيء كنت أشعر بحماس شديد لإبداء الكثير من الردود والإجابة عن مختلف التساؤلات مهما كانت صعوبتها
في ذلك الوقت، كانت ” جوجل ” تعتزم إخضاعي إلى مقابلتين متتاليتين عبر مكالمات جماعية، حينها قمت بالبحث من خلال ” جوجل ” عن الشركة نفسها، تعرفت على تاريخ ” جوجل “، ومنتجاتها، وآخر التطورات المتعلقة بها، مع الحصول على رؤية واضحة عن المؤسسين والأعمال التجارية والمقرات المنتشرة حول العالم والمنافسين والمستثمرين والشعارات، دون نسيان التعمق في تفاصيل برنامج جوجل أدووردس AdWords
لقد تدربت جيداً على أسئلة المقابلة الشخصية بصحبة العديد من الأصدقاء، حصلت على ثقة كبيرة وشعرت أنني على استعداد تام للمشاركة في مقابلة شخصية ناجحة، بإمكاني الإجابة عن أية أسئلة يمكن طرحها عند استقبال مكالمتهم الهاتفية، في تمام الساعة ٤ مساءً، هاتفني شاب في مقتبل العمر يدعى ” أوليفر “، لقد بدا عليه الانفعال والعصبية في ذلك الوقت، قضينا الدقائق الخمس الأولى من الثلاثين المخصصة للمقابلة الشخصية في حديث عام، ثم تطرقنا إلى سيرتي الذاتية، والدورات التدريبية السابقة، وأهدافي الوظيفية، عند قيامه بتسجيل الإجابات خيم علينا الصمت المطبق، قبل أن يكسر ” أوليفر ” هذا الصمت بعصبيته المعتادة، بينما كنت أنا في أفضل حال
خلال عشرة دقائق كاملة، كسر ” أوليفر ” الصمت قائلاً: ” سأطرح عليك مجموعة من الأسئلة التي قد تبدو غريبة بعض الشيء “، هنا فضلت الصمت وسألت نفسي : ” هل امتلك رداً مناسباً للتعليق على ما قاله؟”، سرعان ما قرأ ” أوليفر ” ما يدور في ذهني، متابعاً حديثه : ” هذه الأسئلة ستعمل على قياس تفكيرك التحليلي “، تعجبت في نفسي قائلة : ” أعتقد أنه سيطرح عليَّ أسئلة المقابلة الشخصية لشركة جوجل والتي قرأت عنها عبر الإنترنت، إنها أسئلة مشهورة باستحالتها وغرابتها “
حسناً، إذا لم يسبق لك الخضوع لمقابلة شخصية مع ” جوجل ” عملاق الإنترنت، دون شك لن تتعرف على حقيقة الأسئلة التي تطرحها الشركة على المتقدمين، عبر الانترنت وجدت الكثير من التحذيرات الخاصة بالأسئلة التي تطرحها ” جوجل ” على المتقدمين، تماماً مثل السؤال الشهير ” ما المال الذي تحتاجه لدفع أجرة غسيل كافة نوافذ مدينة سياتل؟ “، وهناك سؤال آخر “ما الذي يتوجب عليَّك القيام به إذا قلصت حجم النيكل ووضعته في خلاط التقطيع؟ “
هنا بدأ ” أوليفر ” حديثه قائلاً : ” وفقاً لتقديراتك ماهي قيمة المبلغ الذي تتقاضاه شركة جوجل من إعلانات Gmail؟ “، لقد بدت عليَّ الدهشة، أهو جادٌ في سؤاله؟ إن الإجابة تعتمد على الكثير من العوامل التي يصعب تخمينها، دون شك هو مبلغ ضخم قد يتخطى حاجز الـ (٧٠) ألف دولار، أثارت إجابتي ضحك ” أوليفر “واصفاً إياها بالحمقاء، لقد طلبت منه محو الإجابة من ورقة الملاحظات وافتراض عدم ردي على هذا السؤال، لقد فعل ذلك بالفعل لكنه طلب مني عدم تخمين أرقام جديدة ومحددة، ثم تابع : ” كيف ستتوصلي إلى الإجابة؟”
هنا، بدأت باستعادة كل ما عرفته عن أدووردس AdWords، حيث أن جوجل تضع أربعة إعلانات فى كل مرة نقدم فيها على فتح البريد الإلكترونيGmail، كما أن المعلنون يقومون بدفع ما قيمته (٠.٠٥) دولار للنقرة الواحدة مع دفع ما قيمته (٥) دولارات كرسوم مالية للإعلان، وعليه فإن المبلغ المالي الذي تتقاضاه شركة جوجل من هذه الإعلانات يعتمد على عدد النقرات التي يقوم بها مستخدمي Gmail عند فتحهم البريد الإلكتروني يومياً إضافة الى الرسوم المالية المدفوعة من قبل المعلنين
لقد بدت هذه الإجابة غير مرضية بما فيه الكفاية، وعليه سأحاول تقديم مبالغ محددة للدخل المالي الذى تتقاضاه ” جوجل ” شهرياً، ولنفترض أن أحد مستخدمي (Gmail) يقوم بفتح سبعة رسائل الكترونية جديدة بصورة يومية، في هذه الحالة سيتعين عليه رؤية (٢٨) إعلاناً، وفي حال النقر على إعلان واحد من أصل أربعة يمكن مشاهدتها، فهذا يعني أنه سيقوم بالنقر على (٧) إعلانات فقط يومياً وبتكلفة مالية تصل قيمتها الى (٠.٠٥) دولار للنقرة الواحدة، كل ذلك يقودنا الى أن المبلغ الذي تتقاضاه ” جوجل ” أياً كان مقابل هذه الإعلانات، سينتج عن العملية الحسابية (٠.٠٥ دولار × ٧ إعلانات × عدد مستخدمي Gmail)
توقفت هنا للحظات، وتساءلت هل هذا منطقي؟ رد ” أوليفر ” بحيرة: ” أعتذر، لقد فقدت تركيزي عقب الحديث عن احتمالات النقر على إعلان من أصل أربعة يمكن مشاهدتها “، وتابع : ” لننتهي من ذلك الآن “، لقد انتهت المقابلة بعد فترة وجيزة، شعرت أن ثقتي اهتزت قليلاً، لكنني كنت واثقة من قيامي بالتعامل مع المقابلة الشخصية بشكل جيد، حينها قال ” أوليفر : ” شكراً لك، سيقوم موظف الموارد البشرية بالاتصال بك خلال بضعة أسابيع، أتمنى لكِ حظاً سعيداً “.
لقد حصلت على (١٥) دقيقة من أجل الإستعداد للمكالمة التالية، كل ذلك من أجل إستعادة هدوئي ومراجعة أفضل ما لدي من ردود، في المكالمة الثانية كانت هناك سيدة على الخط المقابل تدعى ” آنا Anna”، لقد كانت أكثر لطفاً من أوليفر، لكنها لم تمتلك الكثير من الوقت، حيث ألقت تحية باردة ثم سألتني سريعاً : ما هو آخر إختراع تكنولوجي قرأت عنه مؤخراً؟ “.
لم أتأخر في إجابتي كثيراً، وقلت لها : ” حسناً ، قرأت اليوم عن تعاون شركة ” أبل Apple” مع شركة ” نايك Nike ” بهدف طرح حذاء مزود بشريحة إلكترونية تمنح مقتنيه القدرة على الركض مع امكانية الاستماع الى الموسيقى “، تساءلت آنا : ” أخبريني عن الإعلان المبهر الذى ستقدميه لهذا المنتج؟ “، لقد شعرت بالدوار قليلاً لكنني سارعت بالإجابة : ” حسناً، تمتاز ” نايك Nike ” بإعلاناتها المبدعة التى قلما نجد لها مثيل في هذا العالم، فكرة الإعلان ستكون عبارة عن شخص يبدو عليه الإرهاق، لقد أنهكه الركض أثناء ارتداءه حذاء ” نايك Nike “، لكنه يشعر بمتعة كبيرة من خلال الاستماع الى الموسيقى عبر السماعات، هذه الموسيقى ستتزامن مع خطواته بشكل متناسق، وعند الوصول إلى الجولة الأخيرة تظهر على الشاشة كلمة ” جربه الآن ” وسط ظهور واضح لعلامة ” نايك Nike “
لقد ضحكت ” آنا ” قليلاً، في محاولة لتشجيعي على مواصلة الإجابة بهذه الطريقة، وتابعت : ” سأطرح عليك الآن سؤالاً فى الرياضيات “، هنا شعرت بالدهشة، أنا في مأزق حقيقي، لم يسبق لي مراجعة الرياضيات منذ أن كنت طالبة فى الجامعة “.
قالت ” آنا ” : ” إذا افترضنا أن المعلن يحصل على (٠.٠١) دولار مع كل نقرة على الإعلان ، وأن (٢٠٪) من زائري الموقع يقومون بالنقر على هذا الإعلان، كم زائر يحتاجه المعلن كي يحصل على (٢٠) دولار كاملة؟ أصابني الذهول للوهلة الأولى، تبدو مسألة سهلة لكنني لا أرغب في استغراق وقت طويل من أجل التوصل الى حل.
سارعت بالإجابة : ” حسناً، ٢٠ من أصل ١٠٠ شخص يقومون بالنقر على الإعلان، كل عشرة نقرات تكلف دولاراً واحداً، مع هدف الوصول الى ٢٠ دولار، هذا ما توصلت إليه قبل أن ألجأ إلى تخمين الإجابة مرة ثانية، لكن كل إجاباتي لم تكن صحيحة مما جعلني أشعر بالاضطراب والتوتر، لم أكن قادرة على فعل أي شئ آخر “، لاحظت ” آنا ” توتري وبدأت تقدم لي بعض المساعدات، لكن في تلك اللحظات لم أتمكن من تنشيط عقلي المرهق
بعد مرور خمسة دقائق كاملة قدمت لي ” آنا ” الإجابة الصحيحة، لقد كانت سهلة الى حد دفعني للشعور بالغباء، باختصار حينما ينقر (١٠٠) شخص (١٠) نقرات يكون الناتج (١٠٠٠) شخص، أعتقد أنها كانت تشعر بمتعة كبيرة نتيجة حالة الشقاء التي انتابتني في ذلك الوقت
لقد قامت ” آنا ” بطرح مسألة أخرى : ” خمني عدد الطلاب الأكبر سناً، والمقيدين في المستوى الجامعي الرابع كل عام ممن يحصلون على وظائف فى الولايات المتحدة الأمريكية “، في هذه المرة كنت مستعدة بشكل جيد، بدأت حديثي قائلة : ” هناك ٣٠٠ مليون مواطن فى الولايات المتحدة الأمريكية، ولنفترض أن ما مجموعه (١٠) ملايين طالب يكملون دراستهم الآن عبر المستوى الجامعي الرابع، لنقل أن الطلاب الأكبر سناً فى المستوى الرابع تبلغ نسبتهم (١/٤) من العدد الإجمالي للطلاب البالغ (١٠) ملايين، بمعنى أن (٢-٣) مليون طالب تقريباً هم من فئة الكبار سناً، وإذا كان نصفهم يتخرج ويحصل على وظيفة، سيكون العدد المطلوب ١.٥ مليون طالب “.
تابعت حديثي : ” هل بامكاني معرفة إن كان الرقم قريباً من الصواب؟ “، قالت ” آنا ” : ” يبدو أن هذا الرقم أقل من الرقم الصحيح، هذا بسبب إعتمادي على عملية البحث عن الوظائف، لكن أتمنى أن يكون أكبر مما ذكرت “.
هنا لم أحصل حتى على إبتسامة شفقة من ” آنا ” ، قبل أن تنهي حديثها بالقول : ” أتمنى لكِ حظاً موفقاً فى بحثك عن وظيفة “، لقد شعرت بمفاجآة صادمة، إنهاء المكالمة بهذه الطريقة يعني عدم قبولي فى المرحلة الثانية من المقابلة الشخصية.
ختاماً، قد يكون الخضوع للمقابلات الشخصية أمراً محبطاً بعض الشئ عقب الإعلان عن النتائج، هذا ما شعرت به حينما انتهت المقابلة الشخصية ولم أحصل على فرصة العمل في ” جوجل “، لكن كل ذلك يمكن أن ينعكس إيجاباً على حياتك، إجعل من هذه التجربة دافعاً لما هو أفضل، تماماً كما فعلت فقد قررت منذ تلك اللحظة العمل بجد حتى أصبحت الآن موظفة دائمة في شركة ” ياهو ” الشهيرة.
———-
المصدر:
مترجم بتصرف من موقع Business Insider